📁 آخر الأخبار

ابن سينا، قراءة في بعض مفاهيم فلسفته

ابن سينا بين الحكمة المشائية والحكمة المشرقية:

إذا تأملنا مؤلفات ابن سينا فإننا نلحظ بشكلواضح توجهه المشائي إذ هووريث فلسفة الفارابي لكن ابن سينا كان أكثر انتظاما وتدقيقا في التأليف من الفارابي، بل يعود الفضل للفارابي في فهم ميتافيزيقا أرسطو، وكذلك يعود له الفضل في بناء نظرية الفيض لأن ابن سينا لم يضف شيئا على ما سطره الفارابي.
لكن الشيء الذي يتميز فيه ابن سينا على أستاذه هو محاولته الخروج عن نظام المشائين في تحقيق المسائل وبحثها، لأنه دعا إلى نظام فكري عده نهج خواص الحكماء سماه بالحكمة المشرقية. ذكر ابن سينا أنه ألف كتاب الشفاء عوام الحكماءمن أتباع أرسطو وأن ثمة حكمة هي حكمة خواص الحكماء أفرد لها مؤلفا سماه بالحكمة المشرقية، مع العلم أن هذا المؤلف لم يعثر عليه، والذي تم العثور عليه هو منطق المشرقيين. وقد ساد التخمين أن كتاب الحكمة المشرقية كتاب في اتصوف أو هو كتاب نسج على ضوء فكر أفلاطون أو أفلوطين بحكم أن هناك اختلاف فكري بين نهج أرسطو ونهج أفلاطون وأفلوطين، كون الأول يعول على الاستدلال بينما الثاني يعول على التجربة الروحية في التطلع للحقائق.
ورجح لكثير من الباحثين أن كتاب الإشارات والتنبيهات فيه بيان عن منهج الحكمة المشرقية خصوصا وهو تحدث في هذا الكتاب عن طائفة من الحكماء يتجاوزون أصحاب الحكمة الاستدلالية وهم أهل الحكمة المشرقية وأهل الحكمة المتعالية، الذين يعولنون على مشاهدة الحقائق المجردة لا مجرد تصورها.
لكن السهروردي بحكم بنائه لنهج حكمة الإشراق ينفي أن ابن سينا قد هتدى إلى الحكمة المشرقية أو ألف فيها إذ يقول: "أنه لو كان صحيحا لتضوع ريحها عليه" وهو يقصد أن سلوك ابن سينا والمعارف التي ورثت عنه ليس فيها رائحة الإشراق وليس فيها ذكر للأصل النوراني للحكمة الفارسية القديمة.

أقسام الفلسفة:

يقسم ابن سينا العلوم الفلسفية إلى قسمين: قسم هو بمثابة الآلة للعلوم وهو علم المنطق وقسم لي بآلة بل يقصد لذاته ينتفع من تحصيله، هذا القسم اثاني بدوره يتفرع إلى فرعين:
1 - علم نظري أو حكمة نظرية تسعى إلى معرفة الحق ولها أقسام منها : العلم الطبيعي، والرياضي، والإلهي...
2 – علم عملي، الهدف منه حصيل الخير والنفع العملي الغاية منه العمل وفق المعرفة وله أقسام منها علم الأخلاق والسياسة وتدبير المنزل.

الفلسفة الطبيعية:

العلم الطبيعي هو العلم الذي يدرس الجسم منحيث هوواقع تحت التغير وبما يوصف به من أنواع الحركة والسكون. ولكي تم التغير

تكون الجسم الطبيعي:

يرى ابن سينا أن المعادن وهي أول تشكل جسمي تكونت من العناصر الأربعة وهي النار والهواء والماء والتراب، ويكون هذا التكون بفضل القوى الكامنة فيها وما يفيض عليها من القوى الفلكية، وكلما كان الامتزاج بين العناصر أقرب إلى الاعتدال ووقع تأثير القوى الفلكيةتحدث أكوان أولها النبات وله القوة الغاذيةيتغذى بذاته قوة منمية ينمي ذاته. ثم نجد الحيوان وهو يحدث من تركيب عنصري أقرب إلى الاعتدال من المعدن والنبات، بحيث يستعد مزاجه لقبول النفس الحيوانية بعد أن يستوفي رجة النفس النباتية ، وكلما زاد اعتداله ازدادقبولا لقوة نفسانية أخرى ألطف من الأولى.
أما كيف تحدث النفس في النبات والحيوان والإنسان فد اعتبرهاابن سينا قوة زائدةلى الجسمية وهي صورة الجسم الحي ومبدأ أفعاله الحيوية.

النفس: يعرفها بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي قابل للحياة، هذا الكمال للجسم هو الذي يصير به النوع نوعا فهو كمال أول لا أنه كمال ثان متعلق بالنوع نفسه.

فالجسم الذي الذي له آلات بها ينمو ويتغذى هوالنباتأم الحيوان فله نفس تزيد على نفس النبات لأنها تدرك الجزئيات وتتحرك بالإرادة، ثم النفس الإنسانية فهي التي تنظاف إليها قوة أكمل من التي للحيوان، فيقول عنها: " أنها كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يفعل الأفعال الكائنة بالاختيار الفكري والاستنباط بالرأي، ومن جهة ما يدرك الأمور الكلية.".

النفس والبدن:

يرفض ابن سينا اعتبار النفس صورة للجسد بل هي جوهر عقلي يمكن أن يفارق البدن بينما البدن لا يمكنه البقاء بل يتحلل من مجرد مفارقة النفس له، فهو يميز بين النفس والبدن لذلك يعتبر النفس جوهرا روحانيا مفارقا له صفات تضاد البدن.
النفس عند ابن سينا تحدث بحدوث البدن لكنها لا تفنى بفنائه..في الحقيقة نلاحظ نوعا من التضارب في آراء ابن سينا بين قوله بحدوث النفس عند حدوث البدن القابل لها وقله في رسائل أخرى وخصوصا في قصيدته العينية أن النفس بطت على البدن وأنها كانت ية قبله ولها وجودا مستقلا عنه قبل حلولها فيه.. الجدير بالذكر أن ابن سينا ممن يرفضون التناسخ في حق النفس.

خلود النفس:

يختلف ابن سينا عن أرسطو في حكمه بخلود النفس بعد مفارقتها للبدن، فأرسطو يرى أن الخلود يشمل العقل الفعال فقط أما النفس الناطقة فتفن بفناء البدن أما الفارابي هو يجعل الخلود يشمل النفوسالتي حققت نوعا من الكمال صوصا الكمال العلمي ينما النفوس الجاهلة فهي تفنى بعد فناء الجسد. فابن سينا يرى بساطة النفس الناطقة وروحانيتها ومن ثم خلودها.

قوى النفس وأفعالها:

كون النفس يسيطة وواحدة لا يتعارض مع وجود تعدد في قواها، لأن النفس تها أفعال وهذه الأفعال يجب أن تصدر عن قوى في النفس فمثلا الإحساس والأكل ودفع الأخطار لابد أن تكون عن قوى هي مصدر أفعال هذه النفس، وتعدد القوى هو بسبب جمعية النفس لها من جهة وحدتها.
يرتب ابن سينا القوى النفسية بحسب مراتب الحياة؛ النباتية والحيوانية والإنسانية، فالقوى تتدرج من أدنى صور الحياة إلى أعلاها، أ ـ النفس النباتية لها لقوة الغاذية والنامية والمولدة، ب ـ والنفس الحيوانية لها، بالإضافة إلى قوى النفس النباتية، القوة المحركة والمدركة. جـ ـ أما النفس الناطقة فبالإضافة إلى القوى النباتية والحيوانية، لها قوة عملية وقوة نظرية وبحسب نظرية القوة والفعل في تكامل النفس الناطقة ينقسم العقل عند ابن سينا إلى عقل هيولاني وعقل بالملكة وعقل بالفعل ثم عقل مستفاد، وكل عقل من هذه العقول هو بالقوة بالنسبة إلى ما فوقه وبالفعل بالنسبة لما دونه. ولا يمكن الانتقال من القوة إلى الفعل إلا بتدخل من عقل هو بالفعل دائما وهو العقل الفعال.

الإدراك العقلي:

العقل النظر ي قوة مجردة تنتزع المعقولات أي الكليات من المعاني الجزئية وذلك بتجريدها من المادة ولواحقها المادية للحصول على مبادئ التصور بمساعدة الخيال والوهم.

كيف يتم إدراك المعقولات؟

يكون العقل النظري قبل إدراكه للمعقولات عقلا بالقوة، ويخرج إلى حيز الفعل بتأثير عقل آخر يكون بالفعل دائما عنده مبادئ الصور العقلية مجردة عن المادة وتكون نسبة هذا العقل الفعال إلى عقولنا نسبة الشمس إلى البصر يقول ابن سينا: " فإن القوة العقلية إذا طلعت على الجزئيات التي في الخيال، وأشرق عليها نور العقل الفعال فينا، استحالت مجردة عن المادة وعلائقها وانطبعت في النفس الناطقة.. وهذا يعني أن مطالعتها تعد النفس لأن يفيض عليها المجرد من العقل الفعال".
مراتب العقل النظري: للعقل النظري أربع مراتب.
1 – العقل الهيولاني: هو القوة والاستعداد المحض لتلقي العلوم والمعارف.
2 – العقل بالملكة: هو الذي تحصل فيه المعقولات الأولى أي مبادئ التصور التي يقع بها التصديق لا باكتساب، هو العقل المزود بالبديهيات.
3 – العقل بالفعل: هو العقل الذي تحصل فيه المعقولات الثواني. التي تستند إلى المعقولات الأولى.
4 – العقل المستفاد: هو كمال العقل بالفعل وهو تمام دائرة التعقل عند الإنسان والذي تكون المعقولات حاضرة فيه بالفعل.
أما العقل الفعال: فهو العقل العاشر في سلسلة العقول الكلية. ينقل المعقولات من حال القوة إلى حال الفعل، هو بالنسبة للعقل النظري كالشمس بالنسبة للبصر، عهو يشرق على النفس فيخرج العقل الهيولاني من القوة إلى الفعل. يعد العقل الفعال همزة الوصل بين العقل الإنساني والعقول التسعة الكلية.
العقل القدسي: في مراتب العقل يتحدث ابن سينا عن رتبة عقلية لم يرد ذكرها عند الفارابي وهذه الرتبة هي رتبة العقل القدسي فما العقل القدسي؟
يقول ابن سينا: "قد يكون شخص من الناس مؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ العقلية إلى أن يشتعل حدسا، أعني قبولا لإلهام العقل الفعال في كل شيء، فترتسم فيه الصور التي في العقل الفعال.. وهذا ضرب من النبوة، بل أعلى قوة النبوة والأولى أن تسمى هذه القوة قدسية، وهي أعلى مراتب القوى الإنسانية." هذه القوة القدسية عند الإنسان تلاقي ذوات الملائكة فتخاطبها فتتلقى عنها صور لاوحي بالإشارة أو بالإنتقاش أو بالصوت المسموع.

الفلسفة الإلهية:

الإلهيات أو العلم الإلهي أو الميتافيزيقا، هي العلم بالوجود ومبادئه وعلله والعلم بالعقول المفارقة وترتيبها وحركات الأفلاك.

إثبات وجود الله عند ابن سينا:

ينهج ابن سينا طريقين في إثبات البارئ تعالى، الطريق العقلي والطريق الإشراقي.
الطريق الأول: هو طريق البرهنة العقلية من خلال الإمكان والوجوب، وهو نفسه البرهان الذي لأسس له الفارابي، يورد هذا البرهان إلى أن تأمل الوجود في الذهن يفضي إلى قسمة ثنائية وهي واجب الوجود وممكن الوجود/ فواجب الوجود هو الموجود الذي متى فرض غير موجود علاض منه محال، والممكن الوجود هو الذي لا يستحيل عدمه. فواجب الوجود ضروري الوجود أما الممكن فلا ضرورة في وجوده ولا عدمه، أما واجب الوجود فقد يكون واجبا بالذات أو واجبا بالغير، والخق الأول هو الواجب الوجود لذاته لا لشيء آخر ويلزم من عدمه المحال أما الواجب الوجود بالغير فهو واجب لا بذاته فيبقى وجوده مرتبطا بغيره أما هو من حيث ذاته فحكمه الفقر والإمكان فيحتاج إلى العلة الواجبة. فواجب الوجود لذاته هو العلة الواحدة والمطلقة وما غيره فهو إما عدم أو ممكن.
الطريق الثاني: ذكر هذا الدليل في كتابه الأخير الإشارات والتنبيهات، لا يستند هذا الدليل على المنطق أو الاستدلال العقلي، كما أنه لا يستند إلى الموجودات في إثبات موجدها:
يقول ابن سينا: " تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته إلى تأمل غير نفس الوجود ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله، وإن كان ذلك دليلا عليه، لكن هذا الباب أوثق وأشرف وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود" هناك من اعتبر أن هذا الدليل يمكن فهمه من طريق الإشراق والشهود بحيث يصل الصديقون إلى اليقين بالوجود المطلق بشكل أوضح ولا يحتاج إلى استدلال بل الحق تعالى هو الدليل على كل شيء لأنه هو الظاهر وغيره هو الذي يحتاج إلى الدليل وإثبات، ومستند هؤلاء الصديقين قوله تعالى: " أفي الله شك فاطر السموات والأرض"
كما أن هناك من الباحثين اعتبروا أن برهان الصديقين الذي استقدمه ابن سينا طريقه الحدس بمعنى يمكن الوصول إليه من غير مقدمات استدلالية.

العالم بين القدم والحدوث:

يصنف ابن سينا ضمن الفلاسفة القائلين بقدم العالم فهو يعتبر أن العالم قديم من حيث الزمان لم يكن قبله زمان بل هو مبدع والإبداع يرفع أية وساطة بين العلة ومعلولها، لكنه يقر بحدوث العالم من حيث الرتبة والذات فما دام معلولا فهو متأخر عن علته. فهو يقول لو كان العالم متأخرا عن الله بالزمان لافترض وجود زمان فيه عدم العالم وهذا يفرض التساؤل عن المرجح الذي الذي طرأ على الذات الإلهية ولم يكن فيها اقتضى إيجاد العالم يعني حدوث تغير في الإرادة الإلهية وهذا أكلا يوجب النقص في حقه تعالى المنزه عن ذلك.
تعليقات