هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك، الملقب بشهاب الدين السهروردي، ولد في سهرورد من قرى زنجان سنة 549 هـ على الأغلب. وشهاب الدين السهروردي لقب اشترك فيه عدة فضلاء منهم السهروردي الصوفي صاحب عوارف المعارف، ومنهم أبو الفتوح يحيى بن أميرك، فتم تمييزه عن غيره ممن لقبوا بمثل لقبه، بصفة الشهيد عند أنصاره وأتباعه أو المقتول عند خصومه وأعدائه.
تكون علميا ودينيا في بلدته زنجان من أعمال أذربيجان حيث تلقى ثقافته الدينية إسلامية وغير إسلامية بين علوم نظرية وعقلية وعلوم ذوقية وصوفية، ما يميز ثقافة السهروردي أنها متعددة المشارب منها الهندية والفارسية والأفلاطونية والأرسطية بإضافة علوم القرآن والحديث.
كان السهروردي كثير الأسفار والترحال جاعلا هدفه صحبة العلماء والذين يرفعون همته نحو العلم والروحانية العالية فهو يقول في كتابه المطارحات: "وهو ذا قد بلغ سني إلى قريب من ثلاثين سنة، وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتفحص عن مشارك كطلع على العلوم ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة ولا من يؤمن بها". في تصريحه هذا يعبر السهروردي عن علو همته في طلب العلم الشريف الذي يرفع النفس عن الطبيعة والمألوف من الحياة، وأنه لم يجد في عصره من يشاركه هذا الهدف.
يحكي الشهرزوري وهو تلميذ السهروردي الإشراقي، عن مناهل معرفة أستاذه، فيقول عنه أنه سافر في صغره في طلب العلم والحكمة إلى مراغة، فدرس العلوم الحكمية على مجد الدين الجيلي، ثم سافر إلى أصفهان، وفيها قرأ كتاب البصائر النصيرية لابن سهلان الساوي، وصحب الصوفية، وانتهى به الطلب إلى درجة الاستقلال الفكري وتحصيل مقام الحكمة واستلهام علوم الأولياء.
وانتقل السهروردي إلى ماردين حيث استفاد الحكمة المشائية، فتتلمذ على الشيخ فخر الدين المارديني، ينقل ابن أبي أصيبعة عن شيخه سديد الدين بن عمر قوله: كان شهاب الدين السهروردي قد أتى إلى شيخنا فخر الدين المارديني وكان يتردد عليه أوقات، وبينهما صداقة، وكان الشيخ فخر الدين يقول ما أذكى هذا الشاب وأفصحه، ولم أجد في مثله في زماني، إلا أني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره، وقلة تحفظه أن يكون ذلك سببا في تلافه".
استتم السهروردي علوم الحكمة وأصول الفقه في مراغة ودارت بينه وبين فخر الدين الرازي مساجلات لأن الفخر الرازي كان كذلك تلميذا عند الشيخ مجد الدين الجيلي.
وفي أصفهان حيث تنتعش المشائية الإسلامية، درس شيخ الإشراق كتب ابن سينا حيث ترجم رسالة الطير من العربية إلى الفارسية، وكتب شرحا للإشارات والتنبيهات.
في هيأته:
ما يعرف عن شيخ الإشراق أنه كان كثير الاستغراق في امله لا يأبه بمظهره من ملبس ومسكن ومأكل فمثلا يصفه ابن أبي أصيبعة قائلا: "عندما كان مقيما في ميافارقين، يقول: حدثني سديد الدين محمود بن عمر المعروف بابن رقيقة قال: كان الشيخ شهاب السهروردي رث البزة لا يلتفت إلى ما يلبسه ولا له احتفال بأمور الدنيا..
قَالَ وَكنت أَنا وإياه نتمشى فِي جَامع ميافارقين وَهُوَ لابس جُبَّة قَصِيرَة مضربة زرقاء وعَلى رَأسه فوطة مفتولة وَفِي رجلَيْهِ زربول ورآني صديق لي فَأتى إِلَى جَانِبي وَقَالَ مَا جِئْت تماشي إِلَّا هَذَا الخربنده أي الصعلوك، فَقلت لَهُ اسْكُتْ هَذَا سيد الْوَقْت شهَاب الدّين السهروردي فتعاظم قولي وتعجب وَمضى.
وهناك قصص كثيرة تحكي مظاهر الزهد والالتفات عن لم الدنيا لدى الفيلسوف السهروردي فنذكر واحدة منها فقد حكى بعض فقهاء قزوين قال: نلت برباط بأرض الروم في وقت الشتاء فسمعت صوت قراءة القرآن فقلت لخادم الرباط من هذا القارئ؟ فقال: شهاب الدين السهروردي، قلت: إني منذ مدة سمعت به وأردت أن أراه، فأدخلني عليه، فقال: لا يدخل عليه أحد لكن إذا علت الشمس يخرج ويصعد السطح ويقعد في الشمس فأبصره، قال: فقعدت على طرف الصفة حتى خرج فرأيته عليه لباد أسود، فقمت وسلمت ليهوعرفتهأني قصدت زيارته وألته أن يجلس معي ساعة على طرف الصفة طوى مصلاه وجلس فجعلت أحدثه وهو في عالم آخر فقلت له: لو لبست شيئا غير هذا اللبا، فقال: يتوسخ، فقلت: تغسله فقال يتوسخ فقلت تغسله فقال: ماحييت لغسل الثياب. لي شغل أهم من ذلك.
في بعض ما يحكى عن كراماته خوارق العادة
هناك الكثير من القصص التي يرويها بعض المؤرخين تعلى من قيمة السهروردي وذلك يتعلق بسرد خوارق العادة التي شهدوها منه بعضهم وخصوصا تلامذته جعلوهامن كراماته وظاهر روحانيته وقربه من الحق تعالى أما خصوه فكانوا يعدونها من مهاراته في علم السيمياء والسحر، ذكر واحدة منها: ففي خربوط بديار بكر اتصل السهروردي بالأمير عماد الدين أبي بكر بن قرا أرسلان صاحب خربوط وقد ألف هناك كتابه بعنوان الألواح العمادية حيث أهداه إلى هذا الأمير عماد الدين أبو بكر.
يذكر سديد الدين أنهم كانوا مع الشيخ شهاب الدين عند القابون إحدى شوارع دمشق فرأوا تركمانيا يسوق قطيع غنم فطلبوا من الشيخ أن يشتري لهم رأس غنم ليأكلوه فباع لهم الراعي الشاة بثمن أقل ولما احتج صاحبه طلب الشيخ من أصحابه أن يذهبوا ويتركوا له أمر ترضية الراعي والتفاهم معه بعد احتجاج صاحبه على الثمن، وبقي الشيخ يتحدث مع التركماني ليراضيه ولما تركه الشيخ ومشى جعل التركماني يتبع الشيخ فأمسكه من يده اليسرى وجذبه إليه ليوقفه وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من كتفه وبقيت في يد التركماني والدم يجري، فخاف التركماني ورمى اليد ، فالتقط الشيخ يسراه بيمينه وأرجعها إلى مكانها.
كان السهروردي من مقربي الملك الظاهر صاحب حلب حيث كان يفاخر به العلماء لأنه فقدمهم وظهرت حجته عليهم، ما سبب له كثرة الحساد والوشاة الطاعنين فيه وفي علمه.
ذاك أنه عندما كان يدرس عند شيخه افتخار الدين باحث الفقهاء من تلاميذ شيخه وناظرهم في عدة مسائل فبذهم وظهر فضله للشيخ افتخا الدين فقرب مجلسه وأدناه وعرف مكانه في الناس، ومن ذلك الحين بدأ تأليب الفقهاء وعلماء الكلام عليه فباحثوه وناظروه فظهر عليهم بحججه وبراهينه وبذلك استرعى اهتمام الملك الظاهر فقربه منه وأدناه.
اشتد الخلاف بين السهروردي والعلماء إلى درجة عدم احتمالهم كقامه في العلم فلفقوا له التهم عند الحاكم حتى يبعدوه عنه ويخرجوه من منزلته التي أنزله إياها الملك الظاهر.
فمثلا يقول قاضي حلب بهاء الدين ابن شداد: " أقمت بحلب سنين للإشتغال بالعلم الشريف ورأيت أهلها مختلفين في أخره، وكل واحد يتكلم على قدر هواه. فمنهم من ينسبه إلى الزندقة والإلحاد ومنهم من يعتقد فيه الصلاح وأنه من أهل الكرامات ويقولون: ظهر لهم بعد قتله ما يشهد له بذلك، وأكثر الناس على أنه كان ملحدا لا يعتقد شيئا.
وينقل الشيخ سيف الدين الآمدي، عنه أنه اجتمع به في حلب، وقال له أنه سيملك الأرض بسبب أنه رأى في المنام أنه قد شرب ماء البحر، وقد فسرها الآمدي له بأنه سيكون ذا شأن في العلم، ويصفه الآمدي بأنه كان كثير العلم قليل العقل، يعني غلب علمه وعيه وأدبه، فكثيرا ما كان يتهور في الأحكام ولا يراعي مقام تبليغها.
سبب مقتله:
في سنة 588 هـ والتي فيها مقتل الشيخ شهاب الدين السهروردي وتلميذه شمس الدين، بقلعة حلب. ذكر العماد الأصفهاني أن الفقهاء بحلب تعصبوا على الشيخ ما عدا الفقيهين ابني جميل فإنهما حكما بعلو شأنه في الفقه واستحسنوا عدم مناظرته في القلعة.
ويقول العماد الأصفهاني: " وأما علم الأصول، ما عرفوا أن يتكلموا معه فيه، وقالوا له: أنت قلت في تصانيفك: " إن الله قادرعلى أن أن يخلق نبيا". وهذا مستحيل، فقال لهم: ما حدا لقدرته أليس القادر؟ إذا أراد شيئا لا يمتنع منه؟ قالوا: بلى. قال: فالله قادر على كل شيء، قالوا: إلا على خلق نبي فإنه يستحيل، فهل يستحيل مطلقا أم لا؟
قالوا: قد كفرت، وعملوا له أسبابا لآنه بالجملة كان عنده نقص عقل لا علم.
نلاحظ أن الحكم بكثرة علمه وقلة عقله راجع إلى جهره بآرائه مهما كلفت من امتعاض العلماء عليها في عصره، بسبب أن نظرياته كانت تصطدم بظواهر الشريعة أو تتجاوز علوم أهل زمانه. أو لعل قلة عقله يقصدون بها غلبة الحال عليه لنه كان يشبه في تعامله مع الحقائق منصور الحلاج الذي غلب عليه سكره بسبب تعاظم الواردات عليه فكان ينطق بما تمجه العقول، فنقص العقل لغلبة حال ورود المعارف عليه بسبب قوة مجاهداته.
ولما عجز علماء الدين في مناظراتهم عن غلبة حجج وبراهين شيخ الإشراق مع عجزهم عن إقناع الملك الظاهر بقتله أو سجنه لأن الملك كان يحيطه بمعاني الاحترام والتعظيم، فكتبوا إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي يقولون له: إن هذا الشهاب السهروردي لا بد من قتله ولا سبيل لأنه يطلق، ولا يبقى بوجه من الوجوه، ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك أيقن أنه سيقتل، فاختار أن يُترك في مكان منفرد، ويمنع عنه الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى ففعل به ذلك. وقد اختلفت الروايات في كيفية مقتله بين من يرى أنه قتل بالسيف وأنه لأحرق وبين من يرى أنه صلب أياما, ويرى الذهبي أن السهروردي خيّر بالكيفية التي يريد بها الموت فاختار أن يموت جوعا
بعض من أشعاره في مناسبة وفاته
وحَدثني بعض أهل حلب قَالَ لما توفّي شهَاب الدّين رَحمَه الله وَدفن بِظَاهِر مَدِينَة حلب وجد مكتوباعلى قَبره هذه الأبيات من الشعر
قد كَانَ صَاحب هَذَا الْقَبْر جَوْهَرَة مكنونة قد براها الله من شرف
فَلم تكن تعرف الْأَيَّام قِيمَته فَردهَا غيرَة مِنْهُ إِلَى الصدف
كما ينقل عنه قوله عند وفاته:
قل لأَصْحَاب رأوني مَيتا فبكوني إِذْ رأوني حزنا
لَا تظنوني بِأَنِّي ميت لَيْسَ ذَا الْمَيِّت وَالله أَنا
أَنا عُصْفُور وَهَذَا قفصي طرت عَنهُ فتخلى رهنا
وَأَنا الْيَوْم أُنَاجِي مَلأ وَأرى الله عيَانًا بهنا
فاخلعوا الْأَنْفس عَن أجسادها لترون الْحق حَقًا بَينا
لَا ترعكم سكرة الْمَوْت فَمَا هِيَ إِلَّا انْتِقَال من هُنَا
عنصر الْأَرْوَاح فِينَا وَاحِد وَكَذَا الْأَجْسَام جسم عمنَا
مَا أرى نَفسِي إِلَّا أَنْتُم واعتقادي أَنكُمْ أَنْتُم أَنا
فَمَتَى مَا كَانَ خيرا فلنا وَمَتى مَا كَانَ شرا فبنا
فارحموني ترحموا أَنفسكُم وَاعْلَمُوا أَنكُمْ فِي أثرنا
من رَآنِي فليقو نَفسه إِنَّمَا الدُّنْيَا على قرن الفنا
وَعَلَيْكُم من كَلَامي جملَة فسلام الله مدح وثنا
تأسيس الاتجاه الإشراقي في الفلسفة:
يعتبر السهروردي الشهيد مؤسسا للاتجاه الإشراقي فهو رائد مدرسة الإشراق كمدرسة جديدة في الفلسفة يقوم الإشراق على الاهتمام بتزكية النفس والحرص على القرب من الأنوار من خلال التجرد.
فمثلا نورد نصا للسهروردي يشرح فيه سبيل تحصيل الإشراق يقول: "وأما أنت إن أردت أن تكون عالما إلهيا من دون أن تتعب وتداوم على الأمور المقربة إلى القدس، فقد حدثت نفسك بالممتنع أو شبه الممتنع. فإن طلبت واجتهدت لا تلبث زمانا طويلا إلا ويأتيك البارقة النورانية وسترتقي إلى السكينة الإلهية الثابتة".
فالسبيل إلى المعارف الحقيقية بالنسبة لهذا الاتجاه هو تهذيب النفس والمداومة على الأمور المقربة إلى عالم القدس والطهارة وهذا لا يعني إقصاء النظر والفكر والاستدلال العقلي بل كما يقول السهروردي ويوصي في كتبه فإنه " لا يمكن فهم حقيقة الحكمة الاشراقية ما لم يكن الحكيم ماهرا في العلوم البحثية والمناهج الاستدلالية البرهانية" وفي هذا إشارة إلى أن الاشراقي المتمكن يجب أن يعمق معارفه النظرية البرهانية، بل تعد الحكمة البحثية مقدمة إعدادية للإشراقي قبل توغله في الذوق يقول السهروردي: "من لم يتمهر في العلوم البحثية فلا سبيل له إلى كتابي الموسوم ب"حكمة الاشراق".
وبشكل واضح يرتب السهروردي ترتيب المعارف ومقامات أهلها بين مجرد النظرومجرد الذوق والجمع بينهما يقول: " الحكماء كثر وهم على طبقات وهي هذه: أحدها حكيم إلهي متوغل في التأله عديم البحث، ثانيها حكيم بحاث عديم التأله، ثالثها حكيم إلهي متوغل في التأله والبحث.. وأجود الطلبة طالب التأله والبحث وكتابنا هذا (حكمة الاشراق) لطالبي التأله والبحث." فترتيب الحكماء عنده مبني على ذوق التأله أتي البحث ليكمل هذا الذوق ويتوجه لأن الإنسانية لا بد لها من حكيم يأخذ بيدها إلى سعادتها وهذا لا يمكن دون ذوق ومعرفة حاصلة عند الحكيم لغة تبين هذه الحكمة وتبنيها لدى لناس الذين لم يحضوا بهذا الذوق. فالبحث معرفة تكميلية لا بنائية لأن الحكمة عند الشهيد السهروردي تبنى على الذوق والحضور وهو أس السعادة.
في شرحه لهذا النص يذكر قطب الدين الشيرازي هذه الطبقات، فالطبقة الأولى هم أكثر الأنبياء والأولياء ومشايخ التصوف من أرباب الذوق دون البحث الفلسفي، والطبقة الثانية هم من المشائية من أتباع أرسطو كالفارابي وأبي علي ابن سينا.. أما الطبقة الثالثة فهي أعز من الكبريت الأحمر وهم قلة يذكر منهم قطب الدين الشيرازي صاحب كتاب حكمة الاشراق.
كيف تحصل المعرفة الإشراقية؟
يجيب السهروردي في نص له يقول: "فالاشراقيون يعتقدون أن مثل القلب مثل المرآة المجلوة المصقولة محاذيا للوح المحفوظ وما عليه من العلوم والحقائق الإلهية، فكما لا يمكن أن يكون شيء محاذيا للمرآة المصقولة ولا يؤثر فيها، فكذلك لا يمكن شيء أن يكون محاذيا للوح المحفوظ وهو لا يرى في المرآة القلبية الصافية" طبعا فإن المانع من حصول الحقائق وانعكاسها في قلب الانسان هو تعلقه بالمادة والطبيعة موطن الظلمة والشقاء، فإن ذلك مما يعكر صفو القلوب لقوله تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
هذا الاتجاه نسجه السهروردي بخيوط فلسفة الفارابي وفلسفة ابن سينا أي عموما على الفلسفة المشائية كما ورثها عن فلاسفة الإسلام إذ يورد شارح كتابه حكمة الإشراق الشيخ قطب الدين الشيرازي أن السهروردي تسامح بالمماشاة مع المشائين في كثير من المواضع، فحتى السهروردي نفسه يتحدث فيقول: أن صاحب هذه الأسطر أي حكمة الإشراق ويقصد نفسه كان شديد الذب عن طرق المشائين في صباه حتى اهتدى إلى نور الحق أي العلم اللدني الإشراقي" كما بنى رؤيته الفلسفية على الفلسفة اليونانية خصوصا فلاسفة اليونان الذين يتوجهون توجها ذا نزعة إشراقية مثل أفلاطون وأنباذوقليس وفيثاغوراس وأفلوطين بل حتى أرسطو يقاربه السهروردي مقاربة إشراقية فيحكي مثلا أنه رأى أرسطو في المنام وكانت بينهما محاورة في مسائل فلسفية إذ يستفتي شيخ الإشراق المعلم الأول أرسطوطالس في هذه المسائل منها مسألة الإدراك وكيفيته واتصال النفس بمعلوماتها واتصال النفس بالعقل الفعال، وهذا ملخص المنام يقول:
"كنت زمانا شديد الاشتغال كثير الفكر والرياضة وكان يصعب علي مسألة العلم، وما ذكر في الكتب لم يتنقح لي، فوقعتْ ليلةً من الليالي خلسةٌ في شبه نوم لي، فإذا أنا بلذة غاشية وبرقة لامعة ونور شعشعاني، مع تمثل شبح إنساني، فرأيته فإذا هو غياث النفوس وإمام الحكمة المعلم الأول على هيئة أعجبتني، وأبهة أدهشتني، فتلقاني بالترحيب والتسليم حتى زالت دهشتي وتبدلت بالأنس وحشتي، فشكوت إليه من صعوبة هذه المسألة...
ثك قال لي: كفاك في العلم هذا؛ وأرشدني إلى أمور فرقت بعضها في هذا الكتاب.
فقلت له: ما معنى الاتصال، والاتحاد للنفوس بعضها مع بعض وبالعقل الفعال؟
قال: أما ما دمتم في عالمكم هذا فأنتم محجوبون، وإذا فارقتموه كاملين فلكم الاتحاد والاتصال..
فقلت: كنا ننكر على طوائف من إخوان التجريد والحكماء في إطلاق الاتصال. فإنه لا يكون إلا في الأجرام...
قال: إنما هو اتصال عقلي؛ فالنفوس أيضا تجد بينها في العالم العلوي اتصالا عقليا لا جرميا، واتحادا عقليا ستعرفه بعد المفارقة.
ثم أخذ يثني على أستاذه أفلاطون الإلهي ثناء تحيرت فيه.
فقلت: وهل وصل من فلاسفة الإسلام إليه أحد؟
فقال: لا، ولا إلى جزء من ألف جزء من رتبته.
ثم كنت أعد جماعة أعرفهم، فما التفت إليهم، ورجعت إلى أبي يزيد البسطامي وأبي محمد سهل ابن عبد الله التستري وأمثالهما، فكأنه استبشر وقال: أولئك هم الفلاسفة والحكماء حقا، ما وقفوا عند العلم الرسمي بل جاوزوا إلى العلم الحضوري الاتصالي الشهودي، وما اشتغلوا بعلائق الهيولى فلهم " الزلفى وحسن مآب" فتحركوا عما تحركنا ونطقوا بما نطقنا. في هذا النص الذي أورده شيخ الإشراق في كتابه اللوائح يشير إلى فضل علم الذوق والحضور على النظر البحث،
ثم فارقني وخلفني أبكي على فراقه فوا لهفي على تلك الحالة.
كذلكمن مصادر فلسفة السهروردي حكمة فارس القديمة مثل الزرادشتية من خلال حكمائها وكتابها المقدس الأفاستا.
أهم مؤلفاته
ولشهاب الدّين السهروردي عدة كتب ورسائل منها كتاب التلويحات اللوحية والعرشية
كتاب الألواح الْعمادِيَّة
كتاب المقاومات وَهُوَ لواحق على كتاب التلويحات
كتاب هياكل النُّور
أصوات أجنحة جبرائيل
ترجمة رسالة الطير لابن سينا إلى اللغة الفارسية
رسالة صفير سيمرغ في مقمات السير الروحي
رالة تفسير آيات من كتاب الله وخبر عن رسول الله
كتاب المعارج
كتاب المطارحات
وله رسالة الغربة الغربية
كتاب حِكْمَة الْإِشْرَاق وقد عى بشرحه جملة من الفضلاء لأهمية ما ورد فيه من حقائق ومعارف نر ممن عنوا بشرحه قطب الدين الشيرازي محمد بن محمود الشهرزوري محم شريف بن نظام الدين الهروي ولجرجاني نجم الدين التبريزي وشرج ملا هادي سبزواري وتعليقات صدر الدين الشيرازي.
الجدير بالذكر أن أغلب مؤلفات السهروردي لاقت اهتماما عند الشراح وعلماء الدين خصوصا أصحاب التوجه الشيعي لأن المدرسة الشيعية بعد القرن السابع للهجرة أخذت تتوجه نحو العلوم الوهبية والعرفانية ما أدى إلى الاهتمام بكتب السهروردي سواء ترجمة بعضها وشرح معظمها بل أغلب تلامذته وأتباع مدرسته من هذه المدرسة الكلامية الإمامية.
اكتب تعليقا يدعم التدوينة ويساعدنا لتطوير خبرتنا