📁 آخر الأخبار

دعاء عظيم لأبي نصر الفارابي


مقدمة


يعتبر الدعاء في أدبيات الفلسفة من تجليات القوة النزوعية لدى الإنسان ومن خلاله تنعكس فيه أشواقه ومخاوفه وتوهماته اتجاه قوة من شأنها تحقيق الأمان لنفسه وبالتالي تمكينها من تكاملها وتوازنها.

فالفارابي يكشف في دعائه عن تصوره للذات الإلهية وصفاتها وكمالات أفعالها، من منظوره الفلسفي. كما يتوسل بالمبادئ الشريفة للوجود حتى تعطيه نفسه كمالاتها المستحقة وترفع عنها كل ما يعوقها عن هذا الكمال، طبعا الدعاء مليء باستعمال المفاهيم الفلسفية التي بنى بها فلسفته الإلهية.

الغرض من نشر دعاء الفارابي هو ربط ما هو فلسفي بما هو ديني عملي ما يكشف أن الفلسفة الإسلامية لم تبعد الفيلسوف عن ساحة التعبد لأن التفكير العقلي المحض قد يجمد القوى النزوعية والغضبية والشهوية.

نشر هذا الدعاء مع نصوص "كتاب الملة" بعنوان دعاء عظيم لابي نصر الفارابي تنسجم اغلب مفاهيم الدعاء مع البناء الفكري لفلسفه الفارابي، فالمطلوب من القارئ التامل مع الدعاء ومحاولة قراءته معرفيا ومطلبيا.

هذا نص الدعاء

"اللهم إني أسألك يا واجب الوجود، ويا علة العلل، يا قديما لم يزل، أن تعصمني من الزلل، وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل.
اللهم امنحني ما اجتمع من المناقب، وارزقني في أموري حسن العواقب، نجح مقاصدي والمطاب، يا إله المشارق والمغارب.
رب الجواري الكنس السبع التي انبجست عن الكون انبجاس الأبهر
هن الفواعل عن مشيئته التي عمت فضائله جميع الجوهر
أصبحت أرجو الخير منك زحلا ونفس عطارد والمشترى"

"اللهم ألبسني حلل البهاء، وكرامات الأنبياء، وسعادات الأغنياء، وعلوم الحكماء، وخشوع الأتقياء.

اللّهم أنقذني من عالم الشقاء، واجعلني من إخوان الصفاء وأصحاب الوفاء وسكان السماء مع الصدقين والشهداء".

"أنت الله الذي لا إله إلا أنت، علة الأشياء، ونور الأرض والسماء،امنحني فيضا من العقل الفعال، يا ذا الجلال والإفضال، هذب نفسي بأنوار الحكمة، وأوزعني شكر ما أوليتني من نعمة، أرني الحق حقا وألهمني اتباعه، والباطل باطلا واحرمني اعتقاده واستماعه، هذب نفسي من طينة الهيولي إنك أنت العلة الأولى.

    يا علة الأشياء جمعا والذي          كانت به عن فيضه المتفجر
    رب السماوات الطباق ومركز      في وسطهن من الثرى والأبحر
    إني دعوتك مستجيرا مذنبا          فاغفر خطيئة مذنب ومقصر
    هذب بفيض منك رب الكل من      كدر الطبيعة والعناصر عنصري"

"اللهم رب الأشخاص العلوية، والأجرام الفلكية، والأرواح السماوية، غلبت على عبدك الشهوة البشرية، وحب الشهوات والدنيا الدنية، فاجعل عصمتك مُجني من التخليط، وتقواك حصني من التفريط، إنك بكل شئ محيط.

اللهم أنقذني من أسر الطبائع الأربع ، وانقلني إلى جنابك الأوسع، وجوارك الأرفع.

اللهم اجعل الكفاية سببا لقطع مذموم العلائق التي بيني وبين الأجسام الترابية والهموم الكونية، واجعل الحكمة سببا لاتحاد نفسي بالعوالم الإلهية، والأرواح السماوية.

اللهم روّح بالقدس الشريفة نفسي، وأثر بالحكمة البالغة عقلي وحسي، واجعل الملائكة بدلا من عالم الطبيعة أنسي.

اللهم ألهمني الهدى، وثبت إيماني بالتقوى، وبغض إلى نفسي حب الدنيا.

اللهم قو ذاتي على قهر الشهوات الفانية، وألحق نفسي بمنازل النفوس الباقية، واجعلها من جملة الجواهر الشريفة الغالية، في جنات عالية".

"سبحانك اللهم سابق الموجودات التي تنطق بألسنة الحال والمقال، إنك تعطي على كل شئ منها ما هو مستحقه بالحكمة، وجاعل الوجود لها بالقياس إلى عدمها نعمة ورحمة، فالذوات منها والأعراض مستحقة بآلائك، شاكرة فضائل نعمائك، " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحه(الإسراء 44)

سبحانك اللهم وتعاليت، إنك الله الأحد الفرد الصمد الذي " لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (الإخلاص3-4)

"اللهم إنك قد سجنت نفسي في سجن من العناصر الأربعة، ووكلت بافتراسها سباعا من الشهوات.

اللهم جد لها بالعصمة، وتعطف عليها بالرحمة التي هي بك أليق، وبالكرم الفائض الذي هو منك أجدر وأخلق، وامنن عليها بالتوبة العائدة بها إلى عالمها السماوي، وعجل لها بالأوبة إلى مقامها القدسي، وأَطِلع على ظلمائها شمسا من العقل الفعال، وأمط عنها ظلمات الجهل والضلال، وأخرجها من ظلمات الجهل إلى نور الحكمة وضياء العقل " الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور( البقرة 257 )...

"اللهم أر نفسي صور العيوب الصالحة في منامها، وبدلها بالأضغاث رؤى الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها، وطهرها من الأوساخ التي تأثرت بها في محسوساتها وأوهامها، وأمط عنها كدر الطبيعة، وأنزلها في عالم النفوس المنزلة الرفيعة. الله الذي هداني وكفاني وآواني.

والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده وسلم تسليما".

تعليقات