هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا البخاري المشهور بالشيخ الرئيس، يعد من أشهر الأطباء والحكماء، كان يلقب في الطب بأبقراط الطب، وعي مجال الحكمة لقب بأرسطو الحكمة.
يعد ابن سينا مرجع اللاتين والعرب في الحكمة والطب. اشتغل ابن سينا بتحصيل العلوم الكبيعية والإلهيات وعلوم الدين ثم رغب بعد ذلك في علم الطب تعلم كتبه وجربها في ممارساته فكان عديم القرين فيه بحيث كان كبراء هذا الفن يختلفون إليه تعلما وممارسة، وعمره آنذاك لم يتجاوز 16 سنة يروى عنه أنه في مدة اشتغاله بهذا الفن لم ينم اياة واحدة بكمالها، وزاد على ذلك بالاشتغال في النهار بالمطالعة، ومما يروى عنه أنه كان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد الجامع وصلى ودعا الله أن يسهلها عليه ويفتح مغالقها له.
كان نابغة عصره في العلم والذكاء له من التصانيف ما يقارب المائة بين مختصر ومطول.
يحكى عنه أنه قال: " لما بلغت التمييز سلمني أبي إلى معلم القرآن ثم إلى معلم الأدب، فكان كل شيء قرأه الصبيان على الأديب أحفظه، والذي كلفني أستاذي كتاب الصفات وغريب المصنف، ثم أدب الكاتب ثم إصلاح المنطق ثم كتاب العين ثم شعر الحماسة ثم ديوان ابن الرومي ثم تصريف المازني ثم نحو سيبويه فحففظت تلك الكتب في سنة ونصف، ولولا تعويق الأستاذ لحفظتها بدون ذلك، وهذا مع حفظي وظائف الصبيان في المكتب. فلما بلغت عشر سنين كان في بخارى يتعجبون مني ثم شرعت في الفقه فلما بلغت اثنتي عشر سنين كنت أفتي في بخارى على مذهب أبي حنيفة ثم شرعت في علم الطب وصنفت القانون وأنا ابن ست عشرة سنة 16 سنة.
فمرض نوح ابن منصور الساماني، فجمعوا الأطباء لمعالجته فجمعوني مغهم فرأوا معالجتي خيرا من معالجات كلهم، فصلح على يدي، فسألته أن يوصي خازن كتبه أن يعيرني كل كتاب طلبت، ففعل فرأيت في خزانته كتب الحكمة من تصانيف أبي طرخان الفارابي، فاشتغلت بتحصيل الحكمة ليلا ونهارا حتى حصلتها، فلما انتهى عمري إلى أربع وعشرين كنت أفكر في نفسي ما كان شيء من العلوم لا أعرفه، انتهى"
ما يعرف عن ابن سينا حرصه على الاستقلال في الرأي مهما كلفه الاجتهاد.
حكي أن أباه وأخاه كانا من الإسماعيلية، وأنه سمع منهما كلاما في النفس والعقل على طريقة يرضاها أبوه وأخوه ولا يقبلها عقله ولا ترتاح إليها نفسه فلم يقبل عليها ونبا عنها.
هذا الاستقلال في النظر والاعتداد بالنفس كان من خاصية براعته وعبقريته لأنه كان مجتهدا في تنمية معارفه وكمالات نفسه، ويظهر من أخباره أنه كان عبقريا ملما بالعلوم والمعارف واستنباط الأفكار الفريدة ببساطة ومن غير تكلف ظاهر، بل من عرفه رلأى فيه فيلسوعل منذ صغر سنه.
تقوم شهرة الشيخ الرئيس في الأكثر على الفلسفة والطب وعلى كتبه التي ألعها عي هذين الفنين ككتاب الشفاء والإشارات والنجاة وكالقانون في الطب على وجه الخصوص له رسائل عدة في المنطق والرياضيات والفلك والموسيقى والطبيعة وغيرها من جوانب المعرفة.
لم يكتف ابن سينا في فهم وتأليف مواضيخ الفلسفة بل زيادة على ذلك تدريس علومخا بل تأسيس مدرسة فلسفية ذات طابع مشائي ذي نزعة إشراقية وهذا طابع جديد لم يسبق فيه ابن سينا من قبل فلاسفة اليونان ومن بعدهم.
التقى في شخصية ابن سينا شخصيات متعددة فهو الفيلسوف بل صاحب مدرسة فلسفية وهو أبو الطب ونابغته وهو المنطقي الذي هذب منطق أرسطو وهو الرياضي والفلكي وله في الرياضيات والفلك والطبيعيات مؤلفات قيمة، وهو إلى جانب حذاقته في العلوم أيضا أديب وشاعر ذي طاببع فلسفي ولعل عينيته في النفس شاهدة على ذلك.
كما كان ابن سينا سياسيا تولى الوزارة في عهد السامانيين وسواهم، بل هناك من اعتبر لقبه الرئيس كان بمناسبة الاشتغال في السياسة والوزارة على حين يرى آخرون أن الرئاسة في لقبه كان يعنى بها رئاسة المشائين بعد أرسطو.
قد استطاع ابن سينا وهو يعيش في فترة تعصف بالأحداث والقلاقل السياسية وفي الأسفار الكثيرة وفي أعماله الوزارية والديوانية أن يقتنص الوقت الكافي ليخرج آثاره ومؤلفاته التي بلغت حوالي 180 مؤلفا ولم يترك موضوعا من موضوعات الفلسفة لإلا وجرى قلمه فيه .
العجيب في ثقافته أن أكثر معارف وثقافة ابن سينا لم يتلقها ولم يقرأها على أستاذ ومعلم ومن ذلك علم الطب والفلسفة وقد ألف فيهما موسوعات ظلت لقرون عدة مرجعا للطلاب في الشرق والغرب.
تعرض ابن سينا في حياته لزخك من الأحداث والأزمات مرات ترفعه إلى مصاف أهل الحل والعقد سواء في العلم أو الوزارة فتقلد الوزارة في عهد شمس الدولة في همدان وجعل ينتقل من قصر أمير إلى قصر أمير آخر، يدبر أمور الدولة حينا ويعلم ويصنف في العلوم حينا آخر، ومرات تنزل به إلى أحط موطن في مقام المسجونين والهاربين من طغيان الحكام.
توفي الشيخ الرئيس في همدان عام 428 هـ، في السابعة والخمسين من عمره.
مذهبه:
ابن سينا في عيون منتقديه:
اتهم ابن سينا في رؤيته الفلسفية بالكفر والزندقة تارة لمجرد تعاطيه فن الفلسفة وتارة لمسائل تجانب أصول الدين كما كان الشأن في تكفيره من قبل أبي حامد الغزالي من خلال متابه تهافت الفلاسفة، وكان المعني من ورائه ابن سينا والفارابي على وجه الخصوص، فطعن في موقفه من قدم العالم ونفي المعاد الجسماني بإثبات المعاد النفساني، وإلى أن اللذات والآلام الأخروية متعلقة بالأرواح لا بالأجساد، واتهم كذلك في نفيه علم الله بالجزئيات، كذلك لبست له تهمة تعاطي المسكرات والمحرمات.
رغم أن ابن سينا يقر بحدوث العالم من حيث الذات وأن لاواجب الوجود غير الله تعالى وهذا صريح في كثير من نصوصه فمثلا في الإشارات والتنبيهات يقوا: " لكنك إذا تذكرت ما قيل في شرط واجب الوجود لم تجد هذا المحسوس واجبا"، والوجوب يقتض علية الواجب لغيره والعالم بما أنه غير واجب فهو حادث من حيث الذات لم يوجب نفسه لآنه أعجز عن الاستقلال في الوجود.
وفي الإشارات مذلك يثبت ابن سينا أن اللذة العقلية والباطنية الروحية هي أسمى من اللذة الحسية الجسدية وأقوى، وإن الناس تتفاوت بحسب قواهم النفسانية.
وفي كتابه الشفاء قسم الإلهيات، المقالة التاسعة يقول ابن سينا: " يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو منقول في الشرع، ولا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبي، وهو الذي للبدن عند البعث، وخيرات البدن وشروره معلومة لا تحتاج إلى تعلم، وقد بسطت الشريعة الحقة التي أتانا بها نبينا وسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن، ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني وقد صدقته النبوة"
من خلال هذا النص يظهر إيمان ابن سينا بالحشر الجسماني من جهة إيمانه بصدق الرسول وصدق خبره، بينما من حيث البرهان لا يمكن إثبات ذلك ما دام أن الحشر يتم بعد مفارقة النفس لبدنها الذي كانت تدبره في حياتها السابقة في الدنيا.
كما لم يسلم ابن سينا من النقد الجارح من قبل ابن سبعين، يقول عنه: "أما ابن سينا فمموه مسفسط، كثير الطنطنة، قليل الفائدة، وما له من التأليف لا يصلح لشيء، ويزعم أنه أدرك الفلسفة المشرقية، ولو أدركها لتضوع ريحها عليه، وهو في العين الحمئة، وأكثر كتبه مؤلفة ومستنبطة من كتب أفلاطون، وما فيها من عنده فشيء لا يصلح كلامه لا يعول عليه"
لكن ابن سينا على شدة انتقاده من خصومه نجد أن مادحيه كانوا من خواص المعرفة منهم أبو الوليد ابن رشد وابن طفيل بالإضافة إلى أتباع مدرسته من الفلاسفة الإشراقيين وأتباع مدرسة الحكمة المتعالية التي تدين له في بنلئها المعرفي والمنهجي.
أهم آرائه:
يقيم ابن سينا براهين لإثبات النفس أنها الذات المخصوصة لكل إنسان بحيث قد تكون معلومة له عي حين يغيب عنه معرفة أعضائه وهذا فيه دلالة على مغايرتها للبدن. هذا البرهان سمي ببرهان الرجل المعلق في الفضاء.
لاحقا إن شاء الله سنجمع بعض حكمه المروية عنه.
اكتب تعليقا يدعم التدوينة ويساعدنا لتطوير خبرتنا