الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي المستغانمي نبذة عن سيرته |
مولده:
هو محمد بن الحبيب البوزيدي المستغانمي ويلقب كذلك بسيدي حمو الشيخ وهذا اللقب هو نفسه اسم محمد عند سكان الريف المغربي من إقليم الناظور حيث تزوج الشيخ البوزيدي ابنة الشيخ محمد بن يحيى الورداني كبير قرية وردان وهم من سموه حمو الشيخ، حيث كان يعلم أولادهم القرآن الكريم حالة إقامته عندهم[1].
ويقدمه تلميذه الشيخ العلاوي بهذا الشكل: ""هو الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر خامل الذكر عظيم الفكر قدوتنا الواحد سيدنا واستاذنا وعمدتنا مولانا محمد بن الحبيب البوزيدي الشريف أصلا الشذولي طريقة المالكي مذهبا المستغانمي دارا ومنشأ كان رضي الله عنه طويل القامة عريض الصدر كبير الذات حسن الصفات""[2]
ولد سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي بجنوب مدينة مستغانم بقرية البساتين المعروفة حاليا باسم الدبدابة وبالضبط بجنان تكارلي سنة 1824م.[3] هو من أسرة شريفة يمتد نسبها إلى سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "إن السيد الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي، شريف النسب من السلالة النبوية الطاهرة، وهو من قرية سيدي بوزيد على شط وادي الشلف بدائرة مستغانم" [4]، وهو يذيّل جميع قصائده بذكر نسبه الطيني الشريف منها قوله:
أبي وجدي ابن البوزيدي من فرع الهادي ابن عبد الله[5]
طلبه السلوك إلى الله
أبوه سيدي الحبيب فقيه وصوفي تعلم على يديه مبادئ العلوم الدينية، "ثم انتقل إلى الزاوية السنوسية الموجودة ببوقيراط ضواحي مستغانم وتتلمذ على يد الشيخ الصوفي الشارف بن تكوك· تلميذ سيدي بلقندوز القداري·· الذي مات مقتولا من قبل الأتراك، تعلم في الزاوية السنوسية مبادئ العلوم الدينية من حفظ القرآن وتعلم الحديث النبوي الشريف كما هو عادة الزوايا بالجزائر، دخل السجن الفرنسي أياما بسبب الشك في تعاونه مع المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي وخصوصا مقاومة الأمير عبد القادر التي لم تخمد بعد آثارها، وكان عمره لا يتجاوز العشرين سنة. بعدها نصحه أهله بالخروج من مستغانم فاختار مدينة تلمسان ملجأ حيث يروي الشيخ محمد بن طه مقدم الشيخ البوزيدي قائلا: " نزل زائرا متبركا بهذا الولي الكامل ـ يقصد سيدي أبو مدين شعيب ـ الذي أدرك الغوثانية وبات في تلك الليلة بضريحه فرأى في المنام جده سيدي أبي زيد بن علي الغوث المدفون في جبل العمور قرب أفلو بولاية الأغواط وسيدي شعيب أبي مدين فأشارا إليه بالذهاب إلى المغرب الأقصى فقال لهما وكيف وأنا غلام ولا قوة لي وأخاف من الحيات والعقارب الموجودة أثناء الطريق فقالا اذهب فأنت مأمون" [7].
وهناك رواية مختلفة يوردها الشيخ العلاوي عن شيخه البوزيدي يقول فيها: "إن سبب سياحتي إلى المغرب كانت ببركاته وبإذنه ـ يقصد بركات سيدي أبي مدين شعيب ـ وذلك أني بت ليلة في ضريحه، بعد أن تلوت شيئا من القرآن، وإذا به رضي الله عنه قد أتاني هو ورجل من أجدادي، فسلما علي ثم قال: إذهب إلى المغرب إنني سرحتك. قلت له: إن المغرب كثير السموم والحيات، وإني لا أقدر أن اسكنه، فأخذ يمسح على جسدي بيده المباركة، وقال لي اذهب لا تخف، إننا حفظناك مما يطرأ عليك، فاستيقظت مرعوبا، ومن ضريحه توجهت إلى المغرب، فحصلت على ملاقاة الشيخ سيدي محمد بن قدور رضي الله عنه"[8]
كمال الساوك وبداية الإرشاد
ولما أذن له شيخه بالإرشاد والتربية، أمره بالذهاب إلى مستغانم وذلك سنة 1867"[10] أي عامين قبل وفاة شيخه، لكن هذا التاريخ لا ينسجم مع المدة التي مكثها الشيخ البوزيدي في المغرب الأقصى، بحيث كان سفره حوالي العشرين من عمره التي تتوافق مع مقاومة الأمير عبد القادرأي في حدود 1844م، كما أنها لا تتوافق مع ما ذكره الشيخ العلاوي الذي ذكر أن الأستاذ محمد بن قدور الوكيلي أوصى الشيخ البوزيدي أن يسير الزاوية في كركر بعد وفاة الشيخ بمدة معينة يتمكن فيها الأبناء بالقيام بالإرشاد فيها ومن ثم يستطيع البوزيدي أن يرجع إلى وطنه. وهناك رواية أخرى يؤكدها صاحب الأنوارا القدسية الساطعة على الحضرة البوزيدية، تتحدث هذه الرواية عن مكوث الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي عند أستاذه أربعين سنة: " قضى جل حياته أربعين سنة في خدمة شؤون هذه الزاوية المملوءة بالدارسين والذاكرين والزائرين" [11].
لكن هذه المدة تعد مقبولة إذا قدرنا أن مكوث الشيخ البوزيدي بعد وفاة شيخه بمدة تجاوزت خمسة عشر سنة إذ يروي الشيخ الدحاح: " فكلف سيدي الشيخ محمد بن قدور الوكيلي سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي أن يخلفه في مقامه ويشرف على زاويته وتربية أبناءه لأنهم كانوا إذ ذاك صغارا، فعمل سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي بوصية شيخه وكان في مستوى الثقة التي وضعها فيه شيخه.. فكان معلما ومرشدا وموجها وحكيما في التربية وتلقين الاسم الأعظم للمريدين" [12].
العودة إلى الوطن:
والرواية الثانية تعتبر أن الشيخ البوزيدي أذن له شيخه بالرجوع إلى الوطن مع اختلاف في تعيين سنة الرجوع، وهذه الرواية يتبناها الشيخ العلاوي والشيخ مصطفى العشعاشي، يقول العلاوي: " وعندما انتقل رحمة الله عليه بقيت بزاويته امتثالا لأمره إلى أن أتممت ما أوصاني به ثم رجعت إلى مستغانم بنية المكث بأمر منه صراحة رضي الله عنه لأني كنت أقول له مرارا عندما شهدت من بركاته سر عجيب وفتح قريب يا سيدي بلادنا خالية من هذا الفن فيقول رضي الله عنه أهل بلادكم أولادنا وإنهم يحصلون على سر غريب والناس لا يظنون بهم خيرا فعند ذلك تستريحون فكان كما أخبر به رضي الله عنه" [15]، وهو ما تؤكده رواية الشيخ مصطفى العشعاشي بتفصيل آخر: " "وهكذا بقينا في خدمته أي في خدمة شيخنا سيدي محمد بن قدور في زاويته، حتى ودعناه قبل موته بعامين، وأمرني أنا بالذهاب إلى مستغانم قرب قبيلتي المعروفة بسيدي بوزيد في شاطئ وادي الشلف"[16]"
وكان من حسن أخلاقه لا يعجز على أحد من الخلق بل يلبي كل من دعاه فالله يجازيه عن المسلمين خيرا فإنه كان طبيب الأجسام والقلوب"[18] وهي حكمة اوتيها من شيخه سيدي محمد بن قدور الوكيلي إذ يذكر الشيخ البوزيدي أنه كان له مريدون من الجن يعلمهم وسبق له في إحدى كرامات شيخه أن نجا من هجوم عفريت من الجن عليه بسبب تدخل غيبي من شيخه سيدي قدور الوكيلي حيث أمره أن يقرأ سورة الإخلاص ويشير إلى العفريت بإصبعه ومن حينها كانت له السلطة على الجن واتخذ بعضهم مريدين عنده يحكي عنه تلميذه الشيخ العلاوي، يذكر الشيخ البوزيدي هذه الواقعة وهي خطابه للن في مسائل الطريق والسلوك إلى الله برواية الشيخ العلاوي يقول: "ذهبت للشيخ رضي الله عنه ـ المقصود الشيخ محمد بن قدور الوكيلي ـ أخبرته بذلك فقال لي لنا من جنس الجان أتباع كثيرة ثم صار يعرفني بهم وبأسمائهم حال اجتماعهم مع الفقراء عند الذكر فكنت أعرفهم وعندما انقلت إلى مستغانم كان الجان يزورني خصوصا عند المهمات ويحترمني ويبجلني أكثر مما يحترمني جنس الحس"[19].
الشيخ البوزيدي الصوفي الخامل:
وكان من زهده وكرمه رضاه باستعمال بيته مقرا للتربية والإرشاد والذكر، وكان ذلك قبل الانتقال إلى الزاوية قبيل وفاته، يحكي الشيخ العلاوي عن هذه الظروف عندما كان منتسبا إلى شيخه البوزيدي، "هكذا كنت أذكر ليلا وأجتمع به نهارا. إما بمجيئه عندي، وإما بالذهاب عنده، غير أن المحل عنده لم يكن قابلا للاجتماع دائما من جهة العيال، وغير ذلك"[21].
وفاته رضي الله عنه
ضريح الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي |
" ثم بعد ذلك انتشر خبر وفاة سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي وذلك يوم 25 أكتوبر 1909م،"[25] .
وآلت الخلافة بعده إلى تلميذه النجيب الشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي، بعد أن رفض بالتوصية للخلافة بعده معتبرا أن ملكية السر لا تعود إليه بل أمرها موكول غلى الله تعالى لأنه هو صاحب المفتاح ويملكه دوريا لمن يشاء، بينما الشيخ فقط مستخلف مدة حياته ووفائه لهذا السر.
اكتب تعليقا يدعم التدوينة ويساعدنا لتطوير خبرتنا